الاثنين، 30 مايو 2011

العلمانية فى مواجهة المجتمعات الإسلامية

ظهرت العلمانية فى أوروبا لمواجهة تحكم الكنيسة وإستبدادها حيث أستغلت إسم الله للتحكم فى حياة الناس حيث كان للبابا سلطة اعلى من سلطة الملوك والسلاطين وحولت الناس الى سادة إقطاعيين وفلاحين عبيد وأقنعتهم بإسم الدين أن الله خلق الناس سادة وعبيد وعليهم أن يرضخوا لحكم الله كما حاربت الكنيسة العلم والتقدم العلمي وإعتبرته سحر وحاربت العلماء واضهدتهم وتعرض العالم جاليليو للسجن بسبب أبحاثه التي تقول أن الأرض ليست مركز الكون بل هي جزء من مجموعة شمسية التي هي بدورها جزء من مجرة وقال أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس وأن الأرض تتحرك وليست ثابته مما يخالف الكتاب المقدس فتعرض للسجن والتعذيب حتي أقر أنه يكذب وأن الأرض ثابته فتم إطلاق صراحه ثم نفيه بعد ذلك ومات فى المنفي

كما أنه فى المحاولة الأولى لتشغيل القطار وقف أمامه أباء الكنيسة متشابكي الأيدي وهم يقولون " هذا الشيطان يتحرك"

وهذا كله لمحة عن أوروبا فى العصور المظلمة وما عانت منه على يد الكنيسة حتي ثارت أوروبا ضد النظام الكنسي وكان شعار الثورة الفرنسية هو "أشنقوا أخر ملك بأمعاء أخر قسيس"

وقد وجد الأوروبيون أن العلمانية هي الحل لكل مشاكلهم وتم تطبيقها فى أوروبا وبدا عصر النهضة والتنوير

ولكن المشكلة أن الأوروبيون ظنوا أن هذا الحل صالح لكل زمان ومكان وبدأت محاولة تصدير العلمانية للمجتمعات الإسلامية ولكنهم لم يضعوا فى حسابهم إختلاف الظروف بين المجتمعات فبينما كانت أوروبا تعيش فى عصورها المظلمة كانت الحضارة الإسلامية تعيش عصرها الذهبي فكان المسلمون يعيشون ثراء حضاريا وثقافيا وإرتقوا فى كل المجالات العلمية كالطب والهندسة والبصريات والرياضات والفلك .... إلخ

كما أن العرب لم يعرفوا فكرة الدولة الثيوقراطية التي تحكم بإسم الله فكانت الدولة الاسلامية دولة مدنية ولم تعاني الشعوب الإسلامية من الجهل والتخلف ففي الوقت الذي كان فيه الطفل المسلم يعرف الكثير من العلوم كان أى ملك فى أوروبا لا يعرف كيف يكتب إسمه

فالعلمانية كفكرة لا تصلح للدول الإسلامية

فأخطأ رموز العلمانية حين فرضوا على المجتمعات الإسلامية حلولا لا علاقة لها بمشكلتهم إنما هي نتاج التجربة الاوربية مع المسيحية

وأخطأوا مرة أخري حين ساووا بين العلماء المسلمين والمؤسسات الكنسية

لذلك فإن نتائج العلمانية فى العالم الإسلامي والعربي اختلفت كثيرا عنها فى أوروبا

ففى أوروبا نتج عنها ثورة فكرية وحضارية اما فى المجتمع الإسلامي فان النخب المستغربة تحولت بعد تسلمها للسلطة إلي ألات بطش عوقت مسيرة المجتمع وكرست تخلفه

فبدأ تطبيق العلمانية فى الدول الإسلامية فى تركيا عاصمة الخلافة الإسلامية على يد مصطفي كمال أتاتورك الذي لمعه الغرب وساعده حتي وصل للحكم فقام بفرض العلمانية على الشعب التركي بالقوة والعنف فقام بإلغاء الخلافة الإسلامية وألغي الحكم بالشريعة الإسلامية وشن حملة تصفية ضد رموز الدين ومنع اللباس الاسلامي المحتشم وفرض الزي الأوروبي السافر على المرأة التركية بالقوة ومنع تعدد الزوجات ووضع قيودا على الطلاق وألغي التقويم الهجري وإستخدم الحروف اللاتينية بدلا من العربية فى الكتابة كما أنه منع الأذان باللغة العربية

كل هذا أدي الى إثارة الشارع التركي عليه الذي هو فى الأصل شعب مسلم لكن أتاتورك إستخدم القوة لفرض هذه العلمانية على الأتراك ووصلت عقوبة عدم الإلتزام بهذه العلمانية فى بعض الاحيان الي حد الإعدام

ومن التجربة التركية ننتقل للتجربة الجزائرية عندما بدا للجميع أن حزب جبهة الإنقاذ الوطني الإسلامي هو الأقرب للحكم بعد إرتفاع شعبيته فتدخل الجيش فى إنقلاب عسكري للسيطرة على الحكم وفرض العلمانية بالقوة على الشعب الجزائري المسلم وما تبعها من الغاء تعدد الزوجات ومنع الحجاب ... إلخ

ولا تختلف هذه التجربة كثيرا عن التجربة التونسية التي فرضت فيها العلمانية على الشعب التونسي بالقوة عندما صدرت "مجلة الأحوال الشخصية" التي تضمنت أحكام كمنع تعدد الزوجات وجعل الطلاق بأيدي المحكمة وغيرها من الاحكام العلمانية

وفرح العلمانيون كثيرا بالتجربة الجزائرية وأشادوا بتدخل الجيش فى الوقت المناسب برغم أنهم يعلنون دوما أنهم ضد حكم "العسكر" ولكن من الواضح أنهم يؤمنون بمدأ ميكافيلي " الغاية تبرر الوسيلة " وصنعوا من القوة والبطش وسيلة لتحقيق أهدافهم

قامت الدكتورة نيلوفر تمولة الأستاذة فى علم الإجتماع بكتابة بحث لها بعنوان "العلمانية الفاشستية فى مواجهة النخب الإسلامية"

تتحدث فيه عن أن التلازم بين الديموقراطية والعلمانية فى العالم الغربي لم يتحقق فى العالم الإسلامي حيث دخلت العلمانية فى صدام مباشر فى جميع الدول الإسلامية التي طبقت فيها برامج التحديث وإتخذت دكتورة نيلوفر من التجربة التركية نوذجا يؤيد رأيها فى أن النخب المستغربة باشرت فى تقويض الديموقراطية بإسم العلمانية خشية أن تؤدي سيادة الشعب إلي سيادة الإسلام ولذلك كانت العلمانية ذريعة إحتمت بها أنظمة فاشستية قمعية خشية من أن تؤدي الديموقراطية إلي الإختيار الحر للجماهير الذي كان سيؤدي بالضرورة إلي إختيار الإسلام نظاما للحياة وهو ما حدث فى الجزائر حين ألغيت الديموقراطية بإسم العلمنة

ونلاحظ من بحث دكتورة نيلوفر توظيف العلمانية فى ضرب الديموقراطية

يقول البروفيسور لويس كنتوري أنه آن الأوان لفك الإرتباط بين الثلاث مصطلحات : الليبرالية والعلمانية والتقدم. فليس صحيحا أنها متداخلة ومترابطة بحيث يتعلق كل منها بمصير الأخر فإن تجربة قرنين من الزمان أثبتت فى حالات عدة أن العلمانية لا تعني بالضرورة التقدم

وفى رأيه أن لا العلمانية ولا الليبرالية ولا الماركسية تصلح أساسا لإنهاض العالم الإسلامي فكل منها يتناقض مع تركيبة المجتمع الإسلامي الذي لا مفر من الإعتراف بأنه يمثل يمثل ثقافة متغايرة تماما لتلك السائدة فى المجتمع الغربي

وأضاف أنه من خلال دراساته المطولة لتجارب العالم الإسلامي والمشروعات الفكرية السائدة فيه وجد ان فكرة "التكافلية" هي الأنسب للتعبير عن مشروع المجتمع الإسلامي وهي صيغة تعلي من شأن الدين وتغلب مصلحة الجماعة وتحفظ للأخلاق والقيم السامية مكانتها , الأمر الذي يجعلها أكثر نفعا وأفضل أداء من العلمانية والليبرالية.

وهو يري أن ثمة مشروعات فكرية إسلامية تبلورت فى العالم العربي تعتمد على ذلك النهج التكافلي المنطلق من قاعدة الإسلام وفى رأيه أنها مشروعات واعدة تمثل فكرا تقدميا قادر على إنهاض الامة وتلبية أشواقها.

نلاحظ هذا الصراع بين التيار الإسلامي والعلماني فى مصر بعد ثورة 25 يناير

ففي البداية رحب العلمانيون والليبراليون بأن يكون المجلس العسكري هو الراعي الرسمي للديموقراطية فى مصر بل ورحبوا أن يقوم بتشكيل لجنة لكتابة الدستور ففي إعتقادهم ان الجيش سينتهج نهج الجيش الجزائري والقيام بفرض العلمانية على الشعب

ولكن الجيش لم يقوم بتقويض الديموقراطية بل قام بتدعيمها عن طريق استفتاء شعبي ديموقراطي لأول مرة فى مصر فلم يبدي الجيش رغبة فى تكرار سيناريو تركيا والجزائر وتونس

وأوضح هذا الاستفتاء صدق النظرية التي تقول بأن الديموقراطية الحقيقية ستؤدي للإختيار الحر للشعب مما سيؤدي بدوره الى صعود النظام الإسلامي

ولكن بعد الإستفتاء فوجئنا ببعض الأشخاص يخرجون ليلقون تصريحات من نوعية أن الشعب غير مستعد للديموقراطية وأنه "فى سنة أولى سياسة" وأن التيار الإسلامي يستغل جهل الناس وسذاجتهم ليصل إلي السلطة

كما طالت الإتهامات المجلس العسكري حيث تم إتهمامه بعقد صفقة مع أحد التنظيمات الإسلامية فى مصر و إتهام هذا التنظيم بالتآمر مع السلطة واتهامه بأنه يسعي للوصول للحكم – إلي ماذا يسعون هم إذا؟- وظهرت دعوات عديدة لرفض الديموقراطية لأن الشعب غير مستعد لها وتظهر دعوات لا تعرف مصدرها برفض الاستفتاء والرغبة فى تأجيل الانتخابات لأنها ستجعل التيار الإسلامي يصل للحكم – كأنها تهمة!- وأنه يجب عمل مجلس مدني يدير البلاد فى المرحلة المقبلة

ومن الواضح ان مهمة هذا المجلس المدني - الذي لم يخبرونا بمن يريدون أن يحكم من خلالة ومن هم أعضاء المجلس - هي تقويض الديموقراطية والسعي الى فرض العلمانية والليبرالية على الشعب من خلال وضع قوانين فوق دستورية تتماشي مع أهدافهم التي يسعون إلي تحقيقها

ولكن فشل مخططاتهم فى الجمعة السابقة يشير الى وعي الشعب المصري وأنه ليس ساذج كما يدعون

وأعتقد أن الأيام القادمة ستثبت حسن ظني



وأختم المقال بحوار مع نجيب محفوظ عندما قالوا له أن الصراع بين العلم والدين فى رواية أولاد حارتنا هو فكرة غريب عن المجتمعات العربية الإسلامية

فأوضح محفوظ أنه فى الرواية قدم فكرة أنه بدون العلم والدين معا لن يتقدم المجتمع

فعندما ترك الناس الدين (متمثلا فى الجبلاوي) وأعتمدوا على العلم فقط (متمثلا فى عرفة) خسروا كثيرا ولم يستطيعوا أن يتقدموا

وأضاف نجيب محفوظ أنه يري أنه لن تحدث نهضة حقيقية فى مجتمع إسلامي إلا بتطبيق الإسلام





وبالمناسبة انا مش أخوان ونجيب محفوظ مش أخوان وبروفيسور لويس كنتوري مش أخوان





ملحوظة

إستعنت فى بعض أجزاء المقال بترجمة أستاذ فهمي هويدي لندوة بعنوان " سقوط العلمانية والتحدي الإسلامي للغرب"

وهي موجودة بمقال "عن العلمانية وتجلياتها" والمقال منشور فى كتاب "المفترون"





بقلم/

أحمد صلاح المهدي

هناك تعليق واحد:

  1. مقال رائع يا أستاذ أحمد و تحليل ممتاز للصراع العلمانى الاسلامى العلمانية نظام ناجح فعلا لكن لا يصلح لنا لأنه ببساطة جاءنا وعد من الله بأنه لن تكون لنا عزة او نصرة فى الدنيا بدون تطبيق هذا النظام و لكن اختلف معك فى تعميم ان كل الاسلاميين اصلاحيين و التقدم على ايديهم مؤكد بل من المؤكد ان ينهم من لديه عيو موجودة فى اى سياسى من حب للسلطة و ضعف الرؤية السياسية او الادارية....دمتم بود

    ردحذف